478 مليون دولار هو المعدل السنوي الذي تدفعه شركتا الخلوي بدل مصاريف تشغيلية واستثمارية. لكن هذا الرقم على ضخامته يقل عما صرف في عام 2018 بنحو 200 مليون دولار. كيف صُرف هذا المبلغ في سنة؟ سيكون على الشركتين الإجابة عن السؤال في جلستين تعقدهما لجنة الاتصالات النيابية الأسبوع المقبل. ومن الإجابات قد يتبين السبب الفعلي لتراجع إيرادات الخلوي
لم يتغير توصيف قطاع الاتصالات منذ سنوات. وبالرغم من كل العقبات التي رافقته، لا يزال «نفط لبنان». وهو بعد الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية، يُعتبر أفضل مصدر أموال للخزينة العامة. شركتا الخلوي تؤمنان معظم هذه الأموال. 1.6 مليار دولار معدل وسطي في السنة. لكن مع ذلك، فإن وزارة المال تشكو من تراجع إيرادات القطاع بما يصل إلى 39 في المئة.
هذا التراجع، مقروناً بزيادة العجز في الموازنة وتعامل الحكومة مع أسعار الاتصالات كضريبة استهلاك، حرم المشتركين من حقهم في تخفيض الأسعار. القطاع الخدماتي بالمبدأ ليس خدماتياً في لبنان. هو مورد من موارد الخزينة، حتى لو كان على حساب تحسين الخدمة وتخفيض أسعارها لتتناسب مع الأسعار العالمية. لا بل أكثر من ذلك، ما إن وطأت قدما وزير الاتصالات محمد شقير أرض الوزارة حتى هجس بكيفية تحسين الإيرادات لا تحسين مستوى الخدمات المقدمة أو الأسعار. ولذلك، لم يجد أمامه بداية سوى إلغاء الستين دقيقة المجانية التي يحصل عليها مشتركو الخطوط الثابتة (رفض اقتراحه من مجلس الوزراء). كذلك عمد شقير إلى خفض موازنة الرعايات (أموال دعم الجمعيات والأندية والأنشطة، التي تُوزّع وفق المحسوبيات) إلى النصف، وزيادة حصة الدولة من الخدمات المضافة VAS. كما جمّد، على ما يؤكد، نحو ألف خط خلوي كانت موزعة على موظفين في القطاع العام بسقف مفتوح. تلك إجراءات وُصفت بالجيدة من قبل نواب في لجنة الاتصالات النيابية، إلا أنها لم تكن كافية، إذ إنها قد تساهم في زيادة الإيرادات بنحو 10 ملايين دولار لا أكثر، فيما الأزمة الفعلية أن أكثر من نصف مليار دولار تُدفع سنوياً بدل مصاريف تشغيلية واستثمارية، وبشكل غير مبرر.
بحسب دراسة أجرتها لجنة الإعلام والاتصالات، يتبين أن عام 2018 شهد أعلى معدل إنفاق بتاريخ القطاع، حيث أنفقت وزارة الاتصالات 661 مليون دولار على تشغيل الشبكتين وتطوير الخدمات وتنويعها. أي ما يعادل 42.5 في المئة من الإيرادات المحصّلة من المشتركين (1.554 مليار دولار). النسبة الكبيرة لا تبدو مبررة، إذ لم يعرف أن استثمارات ضخمة أو أساسية أنجزت على الشبكة، أضف إلى أن معدل الإنفاق التشغيلي والاستثماري في الأعوام من 2010 إلى 2018 بلغ 478.8 مليون دولار سنوياً، فما الذي تغيّر في عام 2018 حتى يقفز المبلغ نحو 200 مليون دولار؟
ذلك سؤال من عشرات الأسئلة التي وجّهتها لجنة الاتصالات إلى وزير الاتصالات، والتي يُنتظر أن يُرَد عليها في جلستين مستقلتين تعقدهما اللجنة مع كل من «تاتش» و«ألفا» في الأسبوعين المقبلين.
هل ستحضر إدارتا الشركتين؟ السؤال يطرح في أعقاب غيابهما عن الجلستين الأخيرتين اللتين خصصتا لموضوع الخلوي. وفيما يبدو أعضاء اللجنة مقتنعين بأن وزير الاتصالات محمد شقير هو الذي كان خلف عدم حضورهما، إلا أنه عندما سئل عن السبب، كان جوابه لا أعرف إن كانت الشركتان مملوكتين للدولة، مستنتجاً أنه لا يمكن إلزامهما بالحضور! وقد بدا هذا الموقف صادماً بالنسبة الى المشاركين في الجلسة، كما أنه نوقش في لقاء الأربعاء النيابي، حيث أبدى الرئيس نبيه بري استغرابه أن يصدر كلام كهذا عن شقير.
بالمحصلة، يتبيّن أن مجمل إيرادات الشبكة منذ عام 2010 حتى عام 2018 بلغت 14 ملياراً و440 مليون دولار، حوّل 9.954 مليارات دولار منها إلى وزارة الاتصالات، فيما صرف المبلغ المتبقي بدل نفقات تشغيلية ورأسمالية (4.492 مليارات دولار).
هل منع شقير شركتي الخلوي من حضور لجنة الاتصالات؟
كذلك يتبين أن مجمل إيرادات الشبكتين انخفض بنسبة 10 في المئة مقارنة مع عام 2012، على الرغم من ارتفاع عدد المشتركين ما يزيد على مليون مشترك (ثمة تراجع عالمي بسبب زيادة الاعتماد على «الداتا» (الإنترنت عبر الخلوي)). لكن في المقابل، لم تنخفض التحويلات إلى وزارة الاتصالات بالنسبة نفسها، بل تراجعت 24.5 في المئة. وبالرغم من أن الانخفاض في الإيرادات كان محدوداً ما بين العامين 2017 و2018 (2.69 في المئة)، إلا أن الأمر لم يكن مشابهاً بالنسبة الى التحويلات إلى الخزينة والتي انخفضت بنسبة 18.65 في المئة، فيما سُجل ارتفاع كبير في النفقات التشغيلية والرأسمالية قدّر بـ 32.46 في المئة (22 في المئة في «ميك 1» و59 في المئة في «ميك 2»). وهذه المصاريف موزعة عملياً على الأبواب الآتية: رواتب الموظفين ومخصصاتهم، التسويق والدعاية والرعاية، الصيانة، إيجار مواقع محطات الإرسال، إيجار المباني والمكاتب وصيانتها، عمولات الموزّعين، والاستشاريين...
بنتيجة كل الأرقام التي أظهرتها الدراسة، أعلن رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن أن اللجنة لن ترضى بأن تبقى الحال على ما هو عليه من فوضى ومصاريف، فيما تذهب الحكومة إلى الحسم من رواتب الموظفين. وأشار إلى أن هناك مصاريف ضخمة وأن هناك ضرورة لدرس أوضاع الشركتين. أضاف: بكل وضوح، هناك مشكلة كبيرة في المناقصات التي تشمل التجهيزات والبرامج والمعدات والصيانة والسيارات والمحروقات والإيجارات. كما قال إن مسألة رعاية الاحتفالات والإعلانات لا لزوم لها، وخصوصاً أن رعاية الاحتفالات لا تستطيع أن تغطي كل الطلبات وتصبح استنسابية، إضافة الى مداخيل الشركات من بعض العقود التي تجرى في ما يسمى بالخدمات الإضافية أو الوكلاء الذين يربحون أرباحاً إضافية غير مبررة.
وبناءً عليه، فإن الشركتين ستكونان، كلاً على حدة، مطالبة بالإجابة عن عدد كبير من الأسئلة، إضافة إلى تحضيرها دراسات وتقارير تجيب عن كل استفسارات اللجنة التي طاولت كل أعمالهما، على أن تصدر اللجنة بعد ذلك توصيتها.